[/size] الى ال
آن [/right]
سيدى الشيخ عمر هيكل جعفر الشبراوى
نسبه ومولده .... هو رضي الله عنه سيدي الشيخ عمر بن الشيخ هيكل بن الشيخ جعفر الشبراوى العمرى ، ينتهي نسبه - رضي الله عنه - إلى
أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -كما اخبر بذلك ، ولد سنة 1235 هـ بين أبوين كريمين ، وكان أبوه - رضي الله عنه - من أغنياء بلده شبرا زنجى من قرى المنوفية ، ولقد حدث قبيل مولده : أن والده رأى في منامه شخصا أعطاه ورقة فيها كلام ، معناة : أن ستة عشر ألفا صح منهم ألفان إن اهتممت كتبناك منهم ، وإلا كتبنا أحد أولادك . فلما استيقظ رأى الورقة مكتوبة بمداد أخضر تحت وسادته ، فحفظها عنده ، ثم عاد إلى تلقى العلم بالأزهر ، بعد أن فارقه ، عساه أن يحظى بما رأى ، إلا أنه لم يستطع الاستمرار في الأزهر ، فبقى في بلدته لمباشرة أرضه ، وعندئذ ولد له صاحب الترجمة ، فاستبشر به ، ووضع الورقة في صفيحة ، وعلقها له ، كتميمة ، تيمنا ورجاء منه أن يكون هو المقصود بالرؤيا .
نشأته وتعليمه .... نشأ رضي الله عنه نشأة طيبة في بيت طيب ، لا ينقطع منه ذكر الله تعالى ، فقد كان أهل الله بالمنوفية يجتمعون عند والده وهو رضيع ، وقد بنى لهم منزلاً خاصاً وسماه " دار أهل الله " ولقد حفظ القرآن وهو صغــير السـن جداً ، وحـدث أنـه لما كان في سورة يوسف ، رأى ســيدنا يـوسـف الصـديق علــيه الســلام في منامه ، فقال له : في أي سورة أنت تقرأ ؟
فأجاب في سورتك ، فقال له : اقرأ ، فقرأها من أولها إلى أخرها ، فقال له الصديق عليه السلام : " فتح الله عليك " .
وكانت تعتريه أحوال في صغره ، منها : أنه قطع ماء النيل وهو فائض ، فأغرق الأرض ،فشكاه أصحابها إلى أبيه فضربه ، ثم فعل ذلك مرة أخرى ، ولما خاف عقاب أبيه هاجر إلى طنطا ، ودخل مسجد سيدي أحمد البدوي - رضي الله عنه - معتقداً أنه حي ، وأن جميع ما يقدمه الناس في مولده إنما هي هدايا تقدم إليه . فقال : يا سيد ، أنا عمر ابن هيكل جعفر ، وأبى يحضر لك كل ستة وكذا وكذا ، وأنا جوعان ، وإذا بإنسان ملثم يمد يده برغيفين من خبز القمح ، وفيها لحم محمر وعشرون فضة - يعنى نصف قرش - فأخذ كل هذا وخرج من المقام ، فرأى شيخا يقرىء القرآن ، فقال له خذ نصف ما معي واسمع لي القرآن فرضي الشيخ بذلك ، واستمر نحو شهر يذهب إلى المقام صباحا ، فيأخذ من الرجل الملثم راتبه ، ويذهب إلى المقرىء ، فيقرأ عليه القرآن ، أما والده فقد تفقده في كل مكان فلم يجده ، وأرسل الرسل في طلبه إلى البلاد المجاورة ، فلم يعثروا عليه ، وبينما هو كذلك إذا بفتى من شبرا زنجى كان مجاور بالمسجد عاد إلى بلده ، وأخبره بأن ابنه في طنطا ، يقرأ القرآن على الشيخ فلان ، وقد جوده بالأحكام ، وقرأ رواية ورش ، وهو مثال الذكاء ففرح والده بذلك ، وأخذ له ( زواده ) وذهب إلى طنطا ، وهذا كله وهو رضي الله عنه دائب على قراءة القرآن ، وراتبه لا ينقطع عنه ، إلا أن نفسه اشتاقت إلى طعام آخر غير اللحم ، فقال يا سيدي ( يشير إلى سيدي أحمد البدوي ) أليس عندكم من طعام غير هذا ؟ فما أتم هذه العبارة حتى قيل له : إن أباك بباب المسجد .
وفى السنة الثانية رحل في طلب العلم إلى الأزهر ، فلم يفتح عليه ، فقابله رجل من أهل الله وقال له : يا ولدى ، أكنت مجاوراً بالمسجد الأحمدي بطنطا ؟ قال : نعم . فقال له الرجل : لذلك لا يفتح عليك ، لأنك جئت من غير إذن السيد البدوي ، فقال رضي الله عنه : وماذا أفعل ؟ قال : أذهب إلى طنطا , وقل : يا سيد كنت مجاورا فهل تأذن لي ؟ فإن سمعت أحداً يقول سافر ، فاعلم أنه أذن لك ، فقال رضي الله عنه : وأين أنا الآن من طنطا " ولا أعرف لها طريقا " فأشار إليها الرجل وقال : ها هي ذي قريبة ، فجرى سيدي حتى دخلها قبيل الغروب ، فبات ليلته ، وقرأ سورة يس ، واستأذن كما علمه الرجل ، فسمع من وراء المقصورة صوتا يقول له : سافر سافر ، فدار حولها ليرى مصدر الصوت ، فسمعه من الجهة الأخرى ، وهكذا كلما دار سمع الصوت من الجهة المقابلة ، ثم عاد إلى مصر ، فقابله زميل له من بلده ، هو العلامة عبد الفتاح الشبراوى ، وكان عالما شريفا وكان أكبر من سيدي سنا ، ولذلك فقد كان يعنى بأمره ، سأله الشيخ عبد الفتاح وقال له : أين كنت ؟ فأجاب : كنت في بولاق ، ولم يقل كنت في طنطا ، خشية ألا يصدقه ، فغضب الشيخ عبد الفتاح وقال له : لابد أن أكنت إلى أبيك بذلك . وبعد أيام كان سيدي رضي الله عنه يجلس مع الشيخ عبد الفتاح ، فقام بغية ومشى بسرعة ، فاقتفى الشيخ عبد الفتاح أثره ، حتى وصلا إلى باب الشعرية ، وهناك وجد سرادقا فيه كراسي ، ووقف أمام كل كرسي رجل ،إلا كرسيا واحدا في صدر السرادق ، لم يقف أمامه أحد ، فلما وصل سيدي إلى هذا الكرسي ، ووقف أمامه ، انفض السرادق ولم يجد الشيخ عبد الفتاح بعد ذلك إلا سيدي صاحب الترجمة رضي الله عنه ، فخاف منه وجرى ، وعلم أن له شأنا كبيرا مع الله سبحانه ، فكف لومه عنه ، واستمر رضي الله عنه بعد ذلك يطلب العلم في الأزهر ، والتفوق رائده .
من كراماته .......
لسيدى قطب الغوث الشيخ عمر الشيراوى رضى الله عنه كرامات كثيرة ؛ يعجز العد عن حصرها ؛ وقد ذكرنا كثيرا منها فى مناسباتها فيما سبق من موضوعات الترجمة ، وها نحن اولاء بعون الله تعالى نذكر بعض ما عرفنا ما عرفنا منها ، مما لم يسبق لنا ذكره بالترجمة .
(1) اخبر العارف بالله تعالى الشيخ رضوان العدل بانه لما قدم الازهر لأول مرة ، وكان صغير السن ؛ كان يقيم مع بعض زملائه من الشرقية ؛ فلما شرف القطب الشبراوى مصر ؛ ذهب اليه الشيخ رضوان مع جمع من اهل الشرقية ؛ منهم الفاضل الشيخ محمد الشحات ؛ وكان مقصدهم أخذ العهد عليه ، فلما ظفر الشيخ رضوان بيد سيدى ليقبلها ؛ جذبه من وسطهم ، وقال : أهذا ايضا ؟ شرقاوى ؟ و اجلسه الى جانبه ، فقال الشيخ رضوان فى نفسه : هذه اول واحدة ، ثم لقنه العهد ، بأن وضع يده فى يد الشيخ محمد الشحات ، واخذ يد الشيخ رضوان ، ووضعها على يديهما ، و قد وصف له المكان الذى يبيت فيه فى بلده وصفا دقيقا ناشئا عن رؤية حقيقية ، و كان الشيخ رضوان كثيرا ما يقص رؤياه على سيده ، فيقول له : نعم كانت فى الليلة الفلانية ؛ و انت نائم فى المكان الفلانى ؛ و كان الشيخ رضوان اذا تاخر عن ورده فى بعض الليالى يرى استاذه قد جاء و كشف عنه غطاءه ، فيقوم من النوم ، فيرى الغطاء بعيدا عنه ، و اذا خالطه النوم وهو يقر الورد ، جاءه سيدى ، ووكزه بيده الشريفة من خلفه فيستيقظ
(2) قال العارف سيدى الشيخ رضوان فى ترجمة لأستاذنا الشبراوى ما نصه :
ومنها ، اى من كراماته : انى كنت أطالع شرح الأستاذ على ورد السحر فى البلد مع بعض الاخوان ، فاتوقف فى بعض العبارات ، فمرة أراه بالليل يقرأ المحل الذى فيه الوقفة درسا و يقررها ، فاصبح أكتب ما قاله فيها ، ومرة أراه فأساله عن المعنى فيفيدنى ، فاصبح أكتبها بهامش الشرح ، و أعزوها اليه رضى الله عنه.
ومنها : انى كنت معه فى الصافية جهة دسوق ، و كنت نائما فى محل غير الذى كان حضرته نائما فيه ، فلما أصبحت ذهبت مع الاخوان لحضرته حسب العادة ، فوجدته قاعدا يقرأ حزب الشاذلى . و هو غائب الحس ، كانه نائم ، فقبلت يده الشريفة ، فلم يكلمنى حسب العادة ، فمنعت الناس عنه ، ووقفت أمامه مدة ، ثم أفاق و قال : الحمد لله انا ما لى ، هات أما أننشق ، فأخذ العلبة وتنشق ، وكلمنى كأنه لم يرنى الا لآن ، ثم ذهبنا لزيارة سيدى ابراهيم الدسوقى رضى الله عنه ، و فى العودة سمعت حضرته يقرأ حزب الشاذلى ، فقلت له : يا سيدى أنت قرأته فى الصباح ، و سمعتك يقول بعده : الحمد لله أنا ما لى ، فقال : أنا ما اخبرتك ؟ فقلت : لا ، قيل : ان روحى اجتمعت بسيدى منصور الباز ، فقال أنت أخذت اولادى ، فقلت له : انا أربيهم لكم ، و ما اخذتهم ليشتغلوا فى غيطى، فان كان هناك شئ فربهم أنت ، فقال سيدى منصور الباز : أنا تربيتى انقطعت بالموت ، و التربية مقصورة على الاحياء و انت حى ، ثم قال سيدى منصور الباز : تعال بنا نذهب الى محل كذا فقلت له : خذ يدى على كتفك أقوى ، لأن الروح المتصلة بجسمها أقوى ، فوضع يده على كتفى فتنبهت ، فقلت الحمد لله على عدم الذهاب معه أنا ما لى و ذاك المحل ، فربما يتركنى هناك فلا أقدر على العودة و لم استفسر عنه ، و كان معنا فى الزيارة الأخ فى الله الشيخ محمد الهجرسى ، و كلما ركب مطية أبطأت السير ، فالتفت الى حضرت الاستاذ و قال : أين الشيخ الهجرسى ؟ فقلت يا سيدى هو وراءنا ، فقال : تأخرت ، و نزلت عن الفرس الذى أنا راكبه ، و ركبت فرسه ، و قلت له : أسرع فان حضرة الأستاذ يسال عليك ثم ارسلت الفرس حتى لحقت جضرة الأستاذ ، فقال : أين الشيخ الهجرسى ؟ فقلت : يا سيدى هو وراءنا ، فقال تأخر وائت به ، وتأخرى عن الاستاذ لحظة هول عظيم ، فلم يسعنى الا الامتثال ، و تأخرت الى ان لحقنى الشيخ الهجرسى ، فقلت له : ما هذا السير، و الاستاذ مشتغل بك ؟ فقال ان المطية بطيئة فجئت له بحمار عظيم ، و قلت له : اسرع فى السير ، لعلنا نلحق الاستاذ ، ثم ارسلت الفرس ، فلم ألحقه ، الا بعد أن دخل جامع سيدى ابراهيم الدسوقى رضى الله عنه ، فلما قابلته ؛ قال : أين الشيخ الهجرسى ؟ فقلت : هو على أثرى . و عجبنا جدا من كثرة السؤال عليه فى هذا اليوم ، ثم فال بعد برهة : هل جاء الشيخ الهجرسى ؟ فقمت و سالت عنه فقيل : انه نزوله من على الدابة وقع على رجله ، فحصل له ألم شديد ، منعه من المشى عليها بالكلية ، و حملوه الى بيت فلان أحد أعيان دسوق ففهمنا سر المسألة . ومنها أنى كنت كثير ما اريد الاستئذان من حضرته فى امر و انا قاعد امامه ، فبمجرد خطور الأمر على قلبى وعزمى على الاستئذان يميل رضى الله عنه الى و يقول : نعم قل ، و مرة اقول بقلبى ، دستور يا سيدى : أتكلم ؟ فيميل الى و يقول : قل ، و فى بعض الاحوال يحكى كلاما أفهم منه عدم الاذن فى هذه المسالة فاعرض عنها . ومنها انه حصل لى مرة وجع شديد فى اصبع رجلى اليمنى منعنى من المشى ، و كان ذلك فى مولد سيدى احمد البدوى ، فركبت حتى الى صيوان الاستاذ ، فنزلت و دخلت أعرج ، فقال : يا ولدى مالك ؟ فقلت : يا سيدى اصبع رجلى يوجعنى وجعا شديدا ، من غير ورم فيه ، فقال : أرنيه ، فمسح بيده عليه و قال : اسكب عليه قهوة ، و قال للقهوجى : اعطه قهوة ، فصببت عليه الفنجان فزال الألم ، و كان ذلك وقت الصباح ، ثم ذهبت الى خيمتنا كالعادة ، وجئت الى الأستاذ قبيل العصر فوجدته نائما ، فقعدت مع الاخوان ، منهم سيدى العلامة الشيخ الحلوانى ، و سيدى الشيخ محمد أبو خضير داود . فقال شيدنا الشيخ الحلوانى : ماذا فعلت مع حضرة الاستاذ ؟ فقلت : فى اى شئ ؟ فقال : ان بعد ما قمت من هنا ، خرج الينا من داخل الصيوان يعرج ، فقلت يا سيدى ما هذا ؟ فقال : ماذا افعل ؟ جاء الى رضوان متالما من رجله جدا ؛ فصعب على ، فلما سمعت ذلك قامت على القيامة ، و قلت فى نفسى : حضرة الاستاذ يتالم من اجلى ؟ و انا عينى فداء لظفره ، فلما اسيقظ ، ذهبت اليه و قبلت يده واستأذنت فقال : نعم ، فقلت : يا سيدى عينى فداء لظفر سيدنا الشيخ ، و انا لا ارضى أن يتالم سيدنا من أجلى ، بل اذا كان عند سيدنا الشيخ حاجة أنا أتحملها عنه ، فانى صغير و جسمى يتحمل ، فارغب ارجاع أمانتى كما كانت ، فقال : ذلك لا يكون ، و انت لا تهون على ، و انت عندى ، كعبد السلام يعنى ولده عليهما رحمة الله تعالى ، فاردت اعادة القول ، فقال : ليس هناك اذن ، فسكت : اه
( 3) كان سيدى قطب الغوث رضى الله عنه فى دمياط ؛ و بعد ان فرغ الاخوان من ذكر مجلس العشاء انصرفوا ، ولم يبقى معه الا المرحوم العارف الشيخ رضوان العدل ، و العارف بالله الشيخ محمد ابو الخضر ، و الشيخ عبد الله خادم الاستاذ ، و كانوا جميعا فى ذهبية ، و بعد الساعة الخامسة و النصف مساء حضر اتلشيخ العلايلى شيخ اسلام دمياط ، و حسين باشا عاصم محافظ المدينة ، حضر الزيارة الاستاذ ، و جلسنا معه ، وجعل الشيخ العلايلى ، يسال سيدى اسئلة فى الأم – وهو كتاب للامام الشافعى رضى الله عنه – وهو يجيب عنها ، و عاصم باشا جاث على ركبتيه فى غاية الأدب ، و سيدى يلتفت اليه و يقول ( سلامات يا افندى ) و علصم باشا لا يزداد الا تادبا ، ثم التفت اليه الأستاذ و قال له : ( أنا فلت لك : اردم الساقية ، فلم لم تردمها ؟ فقال : يا سيدى ان شاء الله أردمها . كل ذلك و الجالسون يفكرون فى الأحوال ، ولا يدرون عنها شيئا ، فلما انصرف الجميع ، قال الشيخ رضوان لسيده ان الذى كان هنا هو الشيخ العلايلى و الباشا المحافظ ، و سيدى كان يخاطب المحافظ ( بيا أفندى فقال رضى الله عنه : نحن فى أى مكان ؟ فقال يا سيدى نحن فى دمياط ، فقال : لا أدرى ؛ وكنت اظن اننا فى شبرا قاعدون فى البيت ، والذى كان يكلمنى هو حكيم المركز ، فقال : يا سيدى و ما هذه الساقية ؟ قال هى ساقية قديمة بجرن البلد مهجورة ، كان وقع فيها ولد صغير ؛ فلما جاء عندى الافندى الحكيم ، قلت له : اردم هذه الساقية لئلا يقع فيها الأطفال ؛ و للآن لم يردمها ، فانا ظننت انه هو ، قال رضى الله عنه : و لما قلت له ذلك سال : ماذا قال ؟ قلت يا سيدى قال ؛ حاضر أردمها قال الاستاذ : وهل قعدوا عندنا كثيرا أم قليلا ؟ و ماذا كان كلامهم ؟ فقال الشيخ رضوان : يا سيدى لم يتكلم مع سيدنا الشيخ الا الشيخ العلايلى سأل فى كذا و كذا ، و اجابه سيدنا الشيخ بكذا و كذا ، فقال : وهل تكلمت بكلام مخالف ؟ فقلت : معاذ الله سيدى ، كل كلامكم صواب ، فقال : الحمد لله ، و بعد قليل نقل حسين باشا عاصم مديرا للمنوفية ، فلما استقر به المقام فيها ، أرسل احد الموظفين ، و قال له : اذهب الى شبرا زنجى ، و قبل يد سيدنا الشيخ ، و قل له : المدير يسلم عليك ، و ارسلنى لردم الساقية
(4) كان سيدى رضى الله عنه تعرض له أحوال كثيرة ، فقد يكون جالسا و حوله المريدون ، فيقول : أذن العصر من غير أن ينظر الساعة ، فيكون ذلك موافقا لأول الوقت تماما ، ثم يؤذن المؤذن و يصلون و يختمون الصلاة ، ثم يقول بعد ذلك : هل وجب العصر ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : و هل صليت معكم ؟ فيقولون : نعم . فيقول : الحمد لله ، و قد خرج مرة فى مولد سيدى احمد البدوى رضى الله عنهما أمام صيوانه ، ثم لم يعرف أن يدخل ، فذهب لاى خيمة بعض الاخوان ، فعرفوه ، فقاموا اليه ، فلم يعرفهم ، فقال لهم : هل تعرفون خيمة الشبراوى ؟ فقالوا : يا سيدى تفضل اشرب قهوة ، و بعد ذلك نذهب اليها ، فاننا فى جوارها ، فتنبه نوعا و قال : اذهبوا بنا اليها . وهذه احوال تعرض كثيرا للفقراء ، قال الحنيد رضى الله عنه : كنت أعجب من قول السرى السقطى رضى الله عنه : يبلغ الفقير حالة لو ضرب وجهه فيها بالسيف ما درى ، حتى وصلت الى تلك الحال .
(5) كان سيدى يوما بقرية تسمى زفيتة مشتول بالقرب من شبين القناطر ، و كان يوما شديد الحر ، فصاح سيدى بقوله : يا ولد : فاسرع احد الحاضرين ، فقال له : هات ماء للذباب ليشرب ، فأتى باناء كبير فيه ماء ؛ فتهافت الذباب بكثرة تعجب منها الحاضرون ، و قالوا : لو أن هذا الماء عسل ما تهافت عليه الذباب بهذه الكثرة .
(6) كان سيدى فى شبين القناطر فى منزل المرحوم السيد يوسف عبد الظاهر ، و كان نائما على مصطبة . فقام و قال : أضع راسى عندك قليلا حسب الوعد ، ثم جعل رأسه فى الجهة التى كانت فيها رجلاه ، و بعد أن قام قال : يا سيدى يوسف ، تحت هذا الجدار واحد من اولياء الله تعالى ، فقال : نعم سيدى هو الشيخ العراقى ، فقال : يا سيدى يوسف ، جاء و انا قائم ، و قبض على رجلى و قال : قربهما منى ، فقلت له : سأقوم و أضع رأسى عندك ، فقال أحد الحاضرين : يا سيدى ، غلبنى النوم و أنت نائم ، فرايت رجلا يحتضن رجلى سيدى ، فقال : هو ذلك الشيخ العراقى .
(7) كان سيدى رضى الله عنه جالسا مرة ، فراى المواشى عائدة من الترعة ، فقال : البهائم عطشى ، فقال أحد الحاضرين : يا سيدى انها عائدة من الترعة ، فقال : بل هى عطشى ، فاعادوها الى الماء لتشرب ، و قد ظهر بعد ذلك انها لم تشرب فى المرة الأولى ، لأنها لم تستطع الوصول الى ماء الترعة ، لأن بالشاطئ جرفا يمنع نزولها
(
لما كان الأستاذ مجاورا بالأزهر ، عاد من اجازة الى مصر ، فوجد البيت الذى يسكنه قد شغل بساكن آخر ، فسال البواب عن مسكن آخر ، فقال له البواب : عندنا غرفة ، و لكنى لا أرضاها لك مسكنا مع نظافتها ، فقال له سيدى : و لماذا ؟ فقال : لأنها ما دخلها أحد وسلم منها فلما دخلها سيدى أعجبته ، فأمر من معه بتنظيفها ، فنظفوها ، و ارسلهم لقضاء حاجة له ، و بقى بها وحده ، فرأى رجلا طوله شبر ولحيته طويلة ، فقال له : من انت ؟ فقال : يا ولدى : أنا ابن طريق ، و أنت ابن طريق و أنا أخذت العهد على الشيخ الحنفى ، و أرجو ألا تؤذينا ، و ألا نوذيك ، و لولا أن هذا المحل عزيز علينا ، لأن اولادنا ولدوا فيه و اعتادوه ، لتركناه لكم ، فقال سيدى : و كيف يكون الحال بيننا ؟ فقال : حدد لنا موضعا لا نتعداه ، ومن تجاوزه من أصحابك و آذيته فلا ذنب لنا ، فأخذ الأستاذ قطعة قماش ووضعها فى زواية المحل ، و قال : هذا لكم ، فقال الجنى : هذا المكان لا يسعى و أولادى ، فقال له : ان الله جعل لكم ان تتصورا كيف شئتم ، فأقل شئ يسعكم ، و نبه سيدى اصحابه بألا يقرب هذا الحاجز منهم احد ، و من قرب منه فلا يلومن الا نفسه ، فوضع أحدهم رأسه عليه ، وهو نائم لا يشعر ، فخبطه جنى فى رأسه ، فقام من النوم صارخا ، يشكو ألما فى راسه ؛ فقال له سيدى : حول رأسك الى الجهة الأخرى ، ووقف وهو يذكر الله تعالى ، ناويا طرد هذا الجنى ، و لم يزل يذكر رضى الله عنه ، و عرقه يسيل تحت قدميه و يجرى على الارض حتى اتم مائة الف ، و فى صبيحة اليوم التالى قابل سيدى الشيخ الدمهوجى رضى الله عنهما ، وقبل يده ، فابتدره الشيخ بقوله : ان الرجل قد ترك لك مصر كلها ، فقال سيدى : الحمد لله ، و قد أراد نفر من الجن أن يلقنهم سيدى العهد ، فلم يرض و قال : ان أنوارهم تشوش على أنوار الانس اذا حضروا مجلسهم ، و ذلك لما بينهما من التغاير .
( 9 ) و لسيدى رضى الله عنه كرامة عظيمة ، شهدها سيدى الشيخ رضوان العدل بنفسه ، وتحدث عنها بقوله : و من أعجب الكرامات أننا كنا معشر الاخوان نذكر يوم جمعة فى زاوية سيدنا الشيخ الشرقاوى بقرافة المجاورين ، و كان شيخنا رضى الله عنه هو الذى يذكر بنا فى ذلك اليوم على خلاف العادة ( من أن بعض الاخوان هو الذى يذكر بهم ) فحصل للذاكرين حال عظيم و تواجد ، حتى غاب أكثرهم عن حسه ، و خلف المجلس مقصورة سيدنا الشيخ الدمهوجى ، فكانت المقصورة تميل مع الذاكرين يمينا و شمالا ، حتى وقعت العمامة التى على المقصورة ، و كان كل من مر على الزاوية و سمع ضجة الذاكرين يدخل الزاوية ، فاجتمع خلق كثير متعجبين من ميل المقصورة يمينا و شمالا ، و بعد انتهاء الذكر أخبرونا بذلك . وما رأيت الا العمامة واقعة بجانب المقصورة .
(10) قال التقى الورع سيدى عيسى القباجى المصرى فى ترجمته لأستاذنا قطب الغوث الشيخ الشبراوى :
ان من كراماته رضى الله عنه أنه كان فى بعض بلاد اخواننا ، و أنى اليه رجل بعد صلاة الصبح ، و هو غاسل وجهه و يديه و رجليه و الماء يقطر منه ، و صبح على الأستاذ رضى الله عنه ، و هو يريه أنه صلى الصبح ، فتغير الأستاذ و قال له : تأتى من غير صلاة و تورى أنك صليت ، قم تؤضا وصل الصبح ، فسأله بعض الاخوان ، فاقر لهم بذلك .
(11) و قال أيضا : و من كراماته رضى الله عنه مما سمعته منه ، أنه أتى اليه اثنان من الاخوان المجاورين فى مولد سيدى أحمد البدوى وهو قاعد فى الجامع ، و اتفقوا على أنهم يمتحنون الشيخ ، أحدهما يذكر و الآخر لا يذكر ، فقالا وهما فى الطريق : نقعد أمام الشيخ ، و قال الذى لم يذكر آخذ السبحة و اذكر عليها ، و انت تجلس ساكتا ، ثم ننتظر رأى الشيخ فينا ، فاتنا الى الشيخ رضى الله عنه وسلما عليه و قعدوا أمامه على حسب ما اتفقنا عليه ، و الأستاذ ينظر اليهما . ثم انه نادى الجالس الذى لا يذكر و نقله من الاسم ، و قال لهما : قلتما كذا كذا فى الطريق ، فاعتذر الثانى و التفت الى الذكر .
(12) وقال أيضا فى ترجمته : ومن كراماته رضى الله عنه مما رايته بعينى ، أنى قاعد معه ، و انى اليه بعض الناس ، و سلم عليه ، وقعد بجانبه ، فرأيت الأستاذ تغير منه ، و اعرض عنه بوجهه ، و الرجل يتحدث معه ، فقال له الأستاذ رضى الله عنه : أنت بدنك ثقيل قوم ابعد عنى ، فاعترف الرجل أن عليه جنابة ، فأمره ان يقوم و يغتسل .
(13) و قال ايضا : و من كراماته رضى الله عنه مما سمعته منه رضى الله عنه أنه قال فى حال تأليفه لشرح حزب البر للأستاذ الشاذلى رضى الله عنه : انى كلما أمل القلم و أكتب يسبقنى القلم بالكتابة ، كانه يكتب وحده ، و كلما أنظر أرى الشيخ الشاذلى قدامى . و هو يبتسم فى وجهى كأنه مسرور من هذا الشرح .
(14) و قال العلامة التقى الورع سيدى محمد بن موسى بن محمد السبكى فى ترجمة لقطب الغوث : و كان رضى الله عنه كثيرا ما يطلع على خطرة القلوب . من ذلك : أنى كنت فى الذكر مع الاخوان بحضوره . و المنشد قال بيتا من كلام سيدى عمر بن الفارض ، فتحيرت فى فهم معناه و انا فى الذكر ، فلما انتهى المجلس و كنت فى طرفه ، نادانى الأستاذ و قال : مقصود الشيخ من البيت كذا ، و قرر معناه ، ففرحت فرحا شديدا ، و قلت سبحان الذى اعطاه .
(15) و قال أيضا : و مرة أخرى حضر من بلده يريد زيارة سيدنا الحسين و أهل البيت ، فلما جاء جهتنا ، و ارسل يجمع الاخوان و أنا بالجملة ، توجهت اليه ناحية كفر القرينين ، و قال : ارجع أحضر هدومك و هات معك الخرج
، لأننا متوجهون لزيارة أهل البيت ، فذكرت له ان عندى جاموسة مريضة ، قال : اذهب فانظرها ، و احضر هدومك ، فلما رجعت دخلت عندها انظرها ، فوجدتها تأكل غلاف ذرة ، و اجترت ، وظهرت عليها علامة الشفاء ، ففرحت ، و اخذت هدومى و الخرج بما فيه الزوادة ، وتوجهت اليه ، فأخبرنى عن شفائها ، و عن ما أكلته قبل أن أذكر له ، و قال لى : انا رحت لها و لمستها بيدى و سألتها عن حالها ، قالت لى : انا طبت و أكلت ذرة ، فقلت له : صدقت ، و ذلك صحيح .
(16) و قال ايضا : و مرة كنت جالسا معه بناحية العطف – قرية من المنوفية – و لازمت جلوسه طول النهار ، و لم يحضر عندنا أحد أجنبى ، و كان فى ابتداء زمن الشتاء ، بعد انقضاء البلح الأحمر ، و هو لا يكون له وجود بناحية المنوفية قط فى هذا البيت ، فما كان بعد العصر الا و يخرج من جيبه بلحا أحمر ، و يفرقه على بعض الاخوان ، و بالجملة أعطانى بلحة واحدة حمراء كانها مقطوعة من نخلتها ، فتعجبت من ذلك ، لأنه أمر خارق للعادة .
(17) و قال أيضا : و من كراماته نفعنا الله به أنى كنت عنده مرة ، فأرسلنى لجهة المديرية ، لأمر يخصه ، و معى بعض اخوانى ، و بعد أن تغذينا معه ، أعطى كلامنا كعكتين لعيالنا بركة ، فلما توجهنا للمديرية ، و مضى النهار و رجعنا ، جعنا فى الطريق ، فأكلت أنا كعكة مما معى ، و بقيت واحدة ، و صاحبى أكل الاثنين ، و لما حضرنا عنده طلب من المحل كعكا ، و اعطانى واحدة ، و قال خذ هذه بدل التى أكلتها فى الطريق ، و اعطى صاحبى اثنين فتعجبت من ذلك .
(18) و قال أيضا : و سمعت منه نفعنا الله ، أنه كان من عادته الجلوس فى الشباك الكائن بحائط الجامع الأحمدى فى كل مولد ، و كان يضع فيه الزوادة ، و يجلس فيه حتى ينقضى المولد و ذلك قبل هدمه و بنائه بالصفة التى هو عليه الآن ، فاتفق مرة أنه نزل من الشباك ، وتوجه الى الميضأة ليتوضا منها ، فلما رجع وجد أمراة و ابنها و خادمها قاعدين مكانه فى الشباك فوق فرشه ، و لم يجد مكانا يجلس فيه ، فقال لهم : هذا مكان جلوسى ، و هذا عفشى و فرشى ، فلم يطيعوه ، و ما كان من ابنها الا انه سفه عليه و ضربه بكفه ، و ضربته المرأة بالمركوب ، ففزع المجاورون يريدون ضرب ابنها ، فمنعهم الأستاذ ، و قال لهم : ارجعوا عنه ، لئلا ينسب لكم القتل ، خليه يخلص حقنا ، يريد السيد البدوى ، لما راى ان يده الشريفة خرجت من البرزخ ، و ضربت الولد ، فقامت المراة و أخذت ولدها و خادمها خارجة من المسجد ، فحين وصلوا الى الباب سقط الولد ميتا ، وظهر البلاء على جسد المرأة ، و راجعوا خائبين ، و لم تشف المرأة حتى توسطت الى الأستاذ ببعض تلامذته ، فتحروا مروره و هو متوجه الى الأزهر ، و أحضروا له المراة ، فتفل عليها فبرئت بأذن الله تعالى .
(19) و قال الشيخ مرزوق بن الشيخ امام المرزوقى من ذرية سيدى أحمد الباز ولى الله صاحب المقام المشهور بناحية أميت البيضا منوفية :
ان رجلا رأى الأستاذ رضى الله عنه حاضرا الى الناحية ، و كان عند ساقيته ، فهرب من الشيخ ، و قام يتوارى فى غيط قطن ، الى أن مر الأستاذ على الساقية ، وتركها خلفه ، فخرج الرجل من غيط القطن ، و قعد عند الساقية ، و حضر بعد العشاء الى الأستاذ ، فقال له : لماذا تهرب منا ، مع أننا لا نطلب منك شيئا ، فسكت ، و أمره بالقيام ، فقام يمشى على رجل واحدة ، و استمر على ذلك حتى أماته الله .
(20) و قال أيضا : قبل أن آخذ العهد على الأستاذ كنت استثقل أخذ العهود ، لأن جدى شريف ينتهى نسبه الى سيدنا الحسين ، و هو سيدى أحمد الباز ، و له ضريح مشهور بالناحية ، و كان بالناحية المذكورة رجل عالم ، فتوفاه الله ، فحضر الأستاذ يعزى أهله ، فاجتمعت عليه ، وطلب منى الاجتماع عليه فى كفر القرينين ، فلم أتوجه اليه ، فلما تأخرت ، توجه الى بلدة شبرا ، فبعد ليلتين أو ثلاث رأيت جمعية فيها أكابر الأولياء ، و فيهم جدى المتقدم ذكره ، فأمرنى بالتوجه اليه ، و أخذ العهد منه ، فذهبت اليه فى شبرا . ووجدته فى مأتم ولد يسمى السباعى ، فقام منه ، وتوجه الى جامع سيدى مسعود . وصلى بنا الظهر ، و قال لى : قدم ، قد وقعت ، انى منتظرك و أنت معى بالأزهر ، فجلست بين يديه ، و اعطانى العهد ، و اخبرنى بما رأيت ، نفعنا الله به فى الآخرة ، كما ربى ارواحنا و جمعنا معه فى الجنة ، امين .
(21) و قال العارف بالله تعالى سيدى الشيخ رضوان العدل فى ترجمته : ومع ذلك كان رضى الله عنه يتكتم تلك الأحوال ، و اكره ما عليه أن يقال عنه انه ولى ، وكثيرا ما كنت أسمعه يتمثل بهذين البيتين :
و مستخبر عن سر ليلى رددته بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون ، خبرنا فأنت أمينها و ما أنا ان أخبرتهم بامين
قال : و لم تنقطع كراماته رضى الله عنه بموته ، بل شاهدنا منها شيئا كثيرا ، بعد موته[/b]