سيدى الشيخ عبد السلام عمر الشبراوى
هو العارف بالله تعالى سيدى ابو الأنوار الشيخ عبد السلام ابن قطب الغوث سيدى الشيخ عمر هيكل الشبراوى رضى الله عنهما ، وهو اكبر أبنائه ، و هو كذلك من أنجب تلاميذه الذين ساروا على منهاجه ، و اتبعوا طريقته ، و اقتفوا أثره ، فوصل فى ثلث قرن الى ما لم يصل اليه غيره فى أطول العمر .
ولد رضى الله عنه ببلدة شبرا زنجى ، و حفظ بها القرآن الكريم ، و وفد الى الأزهر يطلب العلم ، فتحت له كنوزه ، حتى تعمق و تبحر ، و صار حجة ثبتا ، يستفتيه الناس فى أمور دينهم ، فيفتيهم بعلمه الغزير و رأيه السديد ، و لقد حدثنى احد العارفين أن أحد توفى ، فبكى ، وكان صغير السن بالأزهر ، فلما علم سيدى الشيخ عبد السلام بذلك ارسل فى طلبه ، فلما جاءه قال له : أتحب أن تهدى الى ابن عمك المتوفى هدية ؟ فأجابه نعم ، فقال له رضى الله عنه : اقرا سورة يس و أهده اياها ، فيحملها اليه ملك
(1) من كفر القرينين منوفية.
فى طبق من النور ، و يقول له : هذه هدية محمد ابن عمك لك ، قال والدى : فكانت هذه الكلمات بردا على قلبى ، و لم أعبا بعد ذلك بما درست من خلاف فى وصول ثواب القرآن الى الميت بعد ما سمعت منه .
و كان رضى الله عنه موضع الاجلال من اخوانه و شيوخه ، و له معهم كرامات كثيرة ، تدل على عظيم منزلته و رفيع شأنه ؛ من ذلك ما حدث به المرحوم الأستاذ الشيخ محمد أبو زيد الشبلنجى (1) و هو أنه كان يقرا كتاب القطر فى النحو لسيدى ، فلما قرأ العبادة الأولى قال له سيدى : اقراها ثانية ، فقرأها ، فقال له : اقراها مرة ثالثة فقراها ، فقال له سيدى : اقرأها مرة أخرى ، فقال له الشيخ الشبلنجى : ما هذا يا سيدى ؟ ليست هذه قرأءة ، فقال له سيدى و قد ظهر عليه التأثر : أمض فى قراءتك ؛ و لما انتهى المجلس انصرف الشيخ الشبلنجى الى درسه ، و كان يحضر اذ ذاك المنهج فى فقه الشافعية و الأشمونى فى النحو ، و حاول أن يقرأ كعادته ، فلم يستطع ، ينظر فى الكتاب فيرى فيه نقشا لا كتابة ، استمر على ذلك درسا ، و لما وجد أن حالته ستكون سيئة ، ذهب الى حيث يقيم سيدى ، و وقف ببابه و قال له : اما أن تعفو عنى ، و اما أن أذهب الى شبرا لأقابل حضرة والدك ، فقال له سيدى : و ما بك ؟ فقال له الشيخ الشبلنجى : أنت تعرف ، فتبسم و عفا عنه ، ورجع الى حالته الأولى .
و من كراماته رضى الله عنه أنه اراد ان يذهب الى طنطا فى مولد السيد البدوى رضى الله عنه ، فرجا شيخه صاحب الفضيلة الشيخ النجدى
(1) و كان زميلا للعلامة حنفى بك ناصف مدة طلبه العلم بالأزهر و دار العلوم .
و كان شيخ الشافعية بالأزهر – الا يقرأ دروسا جديدة ، حتى يعود من طنطا ، فلم يقبل رجاءه ، و سافر سيدى الى طنطا ، و ذهب الشيخ النجدى الى الأزهر ليقرأ درسه كعادته ، فجاءته برقية من بلدة بان الارض التى كانوا يزرعونها تغير ناظرها ، و اراد أن يغير الزراع فانتزعها من اخوته ، و ليس لأحد فيها ملك ، و كانت مستاجرة ، و ليس لهم غيرها ، فذهب الشيخ النجدى الى طنطا ، و قصد قطب الغوث سيدنا الشبراوى ، و قص عليه قصته مع سيدى الشيخ عبد السلام ، فقال له رضى الله عنه : ارجع الى مصر ، وزر السيدة نفسية رضى الله عنها ، قبل أن تذهب الى محل اقامتك ، و اقرأ عندها سورة الأعلى احدى عشرة مرة ، و هبها اياها بنية قضاء حاجتك ، و اقرا لى الفاتحة ، ففعل ذلك و عاد الى الأزهر ، فجاءه البشير بأن أرضهم ردت اليهم ، فذهب الشيخ النجدى الى الشيخ الأشمونى – و كان من أجلاء علماء الأزهر الشريف شريعة وحقيقة – و هو متحير ، و قص عليه هذه الحكاية و قال له : هل السيدة نفسية اكبر من سيدنا الحسين ؟ فأجابه الشيخ الأشمونى لا : و لكن السيدة نفسية جاءت مصر على قيد الحياة ، و سيدنا الحسين شرف بعد ان فارق الحياة فهو كالضيف عندها .
و كان سيدى الشيخ عبد السلام ذا بصيرة بأمور الدنيا ، لذلك ألقى اليه والده رضى الله عنهما زمام الأمور و هو صغير ، فكان يتصرف فى كثير من الشئون فى حياة والده بحكمة وسداد ، و كان والده رضى الله عنه يفرح بذلك ، و يحبه حبا كثيرا ، و يعنى بأمره ، فلقد حدث العارف بالله تعالى سيدى الشيخ منصور هيكل رضى الله عنه : بأن أحد المريدين دعا سيدى الشيخ عمر الشبراوى فى مولد السيد البدوى ، فلبى دعوته ، فجاءته دعوة أخرى ، فأرسل سيدى الشيخ عبد السلام اليها ، فركب مطيه ، و أردف وراءه سيدى الشيخ منصور ، حتى وصلا الى مكان الدعوة و الاخوان معهما ، فأقاما حلقة الذكر ، و بينما كان سيدى الشيخ منصور يذكر ، اذا به يرى سيدى الشيخ عمر الشبراوى رضى الله عنه فى حلقة الذكر ، فأخذته حالة طيبة سرت فى الاخوان كلهم . و لما رجع الى سيدى الشيخ عمر الشبراوى ، أخبره سيدى الشيخ منصور بذلك ، فقال له رضى الله عنه : ان قلبى دائما مع من يحب عبد السلام
و كان سيدى الشيخ عبد السلام رضى الله عنه برا بوالديه ، كان يجلس بين يدى والده ، و هو شأخص ببصره اليه ، فاذا تحركت شفتاه وقف مسرعا ، يسمع أمره ، ليقضى حاجته ؛ و كان والده رضى الله عنه فى مرض موته ، يشفق عليه اذا رآه و يقول : سيتحمل بعدى حملا ثقيلا و هو صغير السن ، و قد قال لبعض مريديه : تركت فيكم الشيخ عبد السلام . و هو ولى و عالم ، و كان رضى الله عنه سخيا كريما ، و كان ذا همة عالية ، و ذا نفس كريمة كبيرة ، يشهد بذلك ان الشيخ حسنين المحلاوى من اولاد سيدنا الشيخ الشبراوى كان قطب ربع مصر ، كما أخبر بذلك سيدنا الشيخ منصور و كان يقول : و الله لا أتنفس الا من تحت شراك نعل سيدنا الشيخ ، الا أن الأمانة التى كانت عنده كانت اكبر من قابليته لها ، فكان يؤذى كثيرا من الناس ، و يهدم كثيرا من البيوت ، و يحرق كثيرا منها فغضب عليه سيدنا الشيخ عمر الشبراوى لأسباب اقتضت ذلك ، و استأذن سيدنا الحسين رضى الله عنه فى تجريده ، فأذن له فجرده ، فتوسل العارف بالله الشيخ رضوان العدل الى سيدى أن يرد اليه امانته ، فقال له : اننا سنبيت الليلة بقليوب ، فقل له : يجئ معنا لعل الله يكرمه ، فذهب اليه العارف بالله الشيخ رضوان العدل ، و أخبره بذلك ، فقال له الشيخ حسنين : سآتيكم بطريق السكة الحديد ؛ فلما كان الليل ولم يجئ المحلاوى ؛ قال سيدى الشيخ رضوان : ان المحلاوى لم يجئ ، فقال الشيخ رضوان ، ليس له قسمة ، فقال له سيدى الشيخ عمر : ان أمانته لم تذهب بعيدا ، و انما أخذها ولدى الشيخ عبد السلام ، أخذها فلم يتغير منه شئ ، و لم يؤذ احدا و لم يهدم بيتا ، لأن نفسه كبيرة ، و قابليته عظيمة ، تقبل أضعاف أضعاف ما كان معه .
و من كراماته رضى الله عنه ، ما حدث به الشيخ موسى أبو الليل – و كان عالما – أنه لما توفى ابوه ، ، واجتمع الاخوان بمولد سيدى أحمد البدوى ، و أرادوا ان يأخذوا عليه العهد ، قال لهم : لن ألقن العهد : أحدا فى هذا المجلس ، الا من كان قد أخذ العهد على أبى ، و بعد ذلك أعطى من لم يأخذ ، و جعل رضى الله عنه يفرز من فى الخيمة واحدا واحدا ، يبقى اولاد سيدنا الشيخ ، و يخرج الآخرين ، و كان فى الخيمة الشيخ موسى أبو الليل ، و هو من أولاد والده ، الا أنه لم يكن معروفا ، فاحتمى بأحد الأشراف ، فجاء سيدى ، و أخرج الشريف و أبقى الشيخ موسى موسى ابا الليل و لقنه العهد ، و هذه الكرامة تدل على بصيرة وفراسة وصفاء نفس .
و بعد أن غادر الأزهر ، و اقام رضى الله عنه بشبرا زنجى ، جعل يدرس العلم لأهل القرية ، حتى كان منهم علماء لم يجلسوا الى معلم غيره ، و لقد حدث الشيخ وهبة عبد الرحمن وهبة – و كان من أهل العلم ، و كان من تلاميذه بالقرية – انه رحل الى الأزهر يحضر العلم على الشيخ الطلاوى من كبار الشافعية اذ ذاك ، و لما مكث به مدة ، رجع الى شبرا و هو يقول : ما تلقيته فى الأزهر لا يزيد شيئا عما يلقيه علينا سيدنا الشيخ عبد السلام ، و استمر يحضر دروسه .
وقد جلس فى المسجد مرة يقرا بشبرا ، فنزل شعاع من النور ، فألقى بين كتفيه ، و لقد حدث بذلك واحد ممن رآه ، و قال : انه نور لا شبيه له فليس كنوز الشمس ، و لا كنوز القمر ، و لا كنوز المصباح ، ولم يكن فى المسجد فتحات فى الناحية التى جاء منها النور .
و لقد اختاره سيدى ابراهيم الدسوقى رضى الله عنهما ، ليكون من أولاده ، و ذلك بأن سيدى ابراهيم الدسوقى عاتب سيدى الشيخ عمر الشبراوى رضى الله عنه على تلقينه العهد للشيخ الحسينى الشهاوى ؛ و كان خليفة سيدى ابراهيم ، و قال له : كما أعطيت ولدى العهد ، لا بد أن يعطى السيد الحسينى ولدك العهد ( بعد اخذه على حضرة والده و اجازته ) فقال سيدى للشيخ الحسينى : لقن عبد السلام العهد ، فلقنه و استمر فى تلقينه العهد نحو ساعة ، فقال له شيخه : يا شيخ يا أبو الحسين ، أكنت تقرا القرآن ؟ فأجابه : انى ألقن سيدى و ابن سيدى .
و مما هو جدير بالذكر أن سيدنا الشيخ عمر الشبراوى رضى الله عنه لم يلقن أحدا الطريقة النقشبندية زيادة على الخلوتية و الشاذلية ، غير سيدى الشيخ عبد السلام و الشيخ الحسينى هذا ، و لم يجز أحدا من أولاده بالطريقة النقشبندية غيرهما ، كما أخبر بذلك سيدى الشيخ رضوان ، و لقد سار رضى الله عنه على نهج والده بعد وفاته ، و حفظ معالم طريقته ، ورعا والدته و أخواته ، و ارسل أخويه سيدى الشيخ عثمان وسيدى الشيخ عمر الى الأزهر ، و عزم ألا ينقطعان طلب العلمفى حياته ، حتى يصيرا من أكابر العلماء ، و بلغ من بره بهما و عطفه عليهما وعفته أيضا ، أنه أشترى قطعة قطعة ارض كبيرة من أجود أطيان شيرا ، فاشار عليه بعض الناس أن يجعلها لابنه سيدى الشيخ عبد الخالق فأبى و قال : و أين عمر و عثمان ؟
و من كراماته رضى الله عنه – و قد حدثنى بها أحد من شاهدوها – أن الناس اجتمعوا يوما لبناء بئر لساقية ببلدته ، و كلما وضعوا أساس البناء غلب الماء فهدمه ، و هو واقف ، فلما رأى ذلك نزل البئر بثيابه . و وقف فيه ، فامتنع الماء ، و جفت البئر ، و ثبت الأساس ، و ارتفع البناء ، و خرج رضى الله عنه من البئر متغيرا لونه .
وتوفى رضى الله عنه فى ريعان شبابه فى 15 من المحرم سنة 1307 ه غير متجاوز احدى و ثلاثين سنة تقريبا ، بعد ان توفى والده ، يقصده الناس للزيارة و التماس البركات " و قد ملأ الآفاق علما و فضلا و نورا مع قصر عمره ، أفسح الله له فى جنته ، و أكرم مثواه ، و جعله مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين .
و قد أنجب رضى الله عنه سيدى و استاذى و قدوتى و ملاذى و من به أرجو الوصول ، العارف بالله سيدى الشيخ عبد الخالق عبد السلام الشبراوى ، أطال الله عمره ، و بارك فى حياته وفى ذريته .
و انجب كذلك سيدى الشيخ عبد السلام عبد السلام الشبراوى (1) أطال الله حياته ، و نفعنا بهم أجمعين .
(1) لحضرته ترجمة ملحقة بترجمة سيدى صاحب الفضيلة الشيخ عبد الخالق رضى الله عنهما و قد طبعت و قد اشير فيها الى ما له من آراء فى التوحيد و فى تفسير التنزيل لم يسبقه اليها أحد غيره من العلماء و له ألفية حوت حوت كثيرا من آرائه و نظرتايه تكلم فيها باسهاب عن وحدة الوج
ود.[center]