لقد أثارت الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني لمصر في إطار مشاركته في القمة الإسلامية الكثير من الجدل السياسي والفقهي، وأدت بعض الإشارات الرمزية في تصريحات نجاد إلى إثارة غضب التيارات السلفية والمدنية على السواء...حيث يأتي التقارب الإخواني الايرانى كوسيلة ابتزاز رخيصة من جانب النظام الاخوانى ، وليس أدل على ذلك من أن لا يحترم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وجوده في الأزهر، ويتصرف باطمئنان كامل لرد فعل النظام الاخوانى، ويرفع إصبعيه بعلامة النصر في وجود شيخ الأزهر د.أحمد الطيب، لكي يوصل رسالة لجهة ما أو دولة ما يعلمها هو ومرسى....وحدهم الإخوان المسلمون بالغوا في أهمية الزيارة التي وصفت بالتاريخية والأولى لرئيس إيراني منذ عام 78، وأنها حققت عددا من الأهداف أولها توجيه رسائل للعواصم الغربية بأن لدى جماعة الاخوان خيارات أخرى، أو أن العلاقات الجيدة مع حكم الملالي قد يأتي بخمسة ملايين سائح إيراني لزيارة العتبات المقدسة المصرية... مما لاشك فيه ان هذا التقارب سيفتح تأزما في العلاقات المصرية العربية خاصة مع دول الخليج العربي، وتأزما في العلاقات المصرية الغربية والأمريكية، ولا يخفى على أحد موقف الغرب وأمريكا من المشروع النووي الإيراني والتدخل الإيراني في سوريا ولبنان على المستوى الداخلي....
إن ما كشف عنه النظام الإخواني من "غشم سياسي" بتعبير الشارع، و"غباء سياسي" بتعبير النخب السياسية، يؤكد أن محاولات تقاربه مع النظام الإيراني تأتي ابتزازا لدول مجلس التعاون الخليجي كاملة وفي مقدمتها السعودية والإمارات، التي رفضت تدخلات الاخوان العابثة بأمنها القومي من خلال التنظيم الدولي لجماعته وخلاياه النائمة، وقبضها على عدد من هذه الخلايا، وبدلا من أن يعالج النظام الاخوانى الأمر ويعترف بخطئه ويعلى مصالح مصر والمصريين، يتمادي بصلف وجلافة مهددا ومنذرا ومعليا من مصالح وأهداف الجماعة وأهلها وعشيرتها...نحن أمام نظام واحد، وجهان لعملة واحدة، بغض النظر عن المسميات، شيعة أو سنة، كلاهما يستخدم الدين مطية للقتل وانتهاك حقوق ومصائر، ولا فرق لديه بين أن يكون المنتهك رجلا أو امرأة، أو دولة صغيرة أو كبيرة!!..فالبنية المعتوهة الممسوسة والمهجوسة، بنية اللصوصية والسيطرة والهيمنة والتوسع، لن تقف عند طموحاتها عند حدود وجودها بل ستسعي إلى الخارج بحثا عن المزيد حتى لو لجأت إلى قوة الدم في سبيل تحقيق ذلك، وسوف تعلي راية الدين في غزواتها هنا أو هناك....
ليست مصر وحدها ولا المصريون وحدهم هم المهددون، ولكن الشعب العربي والإسلامي كله مهدد، الإسلام نفسه مهدد من هؤلاء، إذ يستخدمونه جسرا للوصول إلى أهدافهم السلطوية والتوسعية، والدليل على ذلك أن النظام في إيران أساء للإسلام وصورته حتى داخل إيران نفسها، وهكذا يفعل النظام الإخواني في مصر، حيث يتساءل المصريون العاديون: هل هذا هو الإسلام يا أخوان يا مسلمين، أن تجوعوا الشعب وتقتلوا وتنتهكوا حرمة رجاله ونسائه وأطفاله؟...
ومن جانب آخر يأتي التقارب الاخوانى الايرانى مؤكدا تطابق الرؤى بين النظامين، محمد مرسي وأحمدي نجاد، نظام ولاية الفقيه ونظام جماعة الإخوان، نظام المرشد الأعلى ونظام المرشد العام، والقائم على القمع والاستبداد والسحل والانتهاك والدم والقتل باسم الدين، وقد أكدت الأحداث الأخيرة في مصر أن النظام الإخواني استخدم نفس تقنيات النظام الإيراني في مواجهة الثورة ضده، فاختطف 1100 شاب من متظاهري التحرير وكوبري قصر النيل وقصر الاتحادية، لا أحد يعلم عنهم شيئا، وقتل 70 شابا وسحل وعرى وانتهك العشرات من النساء والرجال، وكل هذه الأعداد قابلة للزيادة خلال الفترة القادمة، وهذا ما فعله نظام نجاد ومرشده الأعلى في مواجهته لثورة الإصلاحيين بين عامي 2009 ـ 2010 والتي هزت جرائمها العام كله....
الجدير بالذكر انه عندما خرج الشباب الإيراني في 14 فبراير 2011 بمظاهرات حاشدة في طهران وبعض المدن الأخرى تأييدا لثورات الشعبين المصري والتونسي، وردد المتظاهرون هتافات مباشرة ضد آية الله علي خامنئي – المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية – أدرك النظام الإيراني ضرورة القيام بهجوم مضاد، في محاولة للسيطرة على حركات الاحتجاج العربية وفتح جبهة للصراع الخارجي، حتى يخف الضغط عليه في الداخل.... وتبين لمرشد الجمهورية الإيرانية أنه إذا لم يتم السيطرة على مسار الثورة في مصر، فسوف يصبح النظام الإيراني نفسه في خطر فقرر التحرك السريع للتأثير على الوضع المصري قبل فوات الأوان، عن طريق تشجيعه جماعة الإخوان المسلمين لفرض سيطرتها على الثورة المصرية... فعندما قام الطلاب الإيرانيون بالثورة على حكم الشاه رضا بهلوي سنة 1978، كانت أهدافهم هي نفس أهداف ثوار مصر، تحقيق الديمقراطية والعدالة، وكان الطلاب الثائرون من الماركسيين الشيوعيين وجماعة مجاهدي خلق.... لكن آية الله خميني الذي كان عندئذ خارج البلاد، أعلن تأييده لثورة الطلاب ودعمه لمطالبهم، كما طلب من أتباعه من الإسلاميين الانضمام إلى حركة الطلاب المعادية للشاه....
وبعد أن قامت الأجهزة الأمنية بقمع المظاهرات بالقوة وأعلن الشاه الأحكام العرفية ، نظم الطلاب مظاهرات مليونية انتشرت في جميع أنحاء البلاد، وطالب الإسلاميون زعيمهم خميني بأن يعود من باريس لقيادة الثورة في طهران...وعندما غادر الشاه بلاده في يناير 1979، عاد خميني إلى طهران في بداية الشهر التالي حيث استقبلته جماهير الثوار استقبال الأبطال.... ورغم ما قاله خميني عند عودته من رغبته في ترك الحياة السياسية والاعتكاف في مدينة قم المقدسة، فسرعان ما أعلن آية الله قيام الدولة الإسلامية في إيران بعد شهرين فقط من نجاح الثورة المعادية للشاه....
وعندما سيطر رجاله على زمام الأمور في البلاد، لم يقبل خميني بتعدد الأحزاب وقام بتصفية الشباب الذين قاموا بالثورة في البداية باعتبارهم أعداء الله....وكما حدث في الثورة الإيرانية، انضم شباب الإخوان المسلمين إلى ثورة الشباب المصري، وأعلنوا أنهم يريدون إسقاط النظام وتعيين رئيس محكمة النقض مشرفا على مرحلة انتقالية، يسلم الحكم بعدها للقوة السياسية التي تحصل على الأغلبية في الانتخابات.... ولما كان الشباب الذين قاموا بالثورة لا ينتمون إلى حزب أو تنظيم كما أن بقية الأحزاب المصرية لم تتمكن من تنظيم نفسها حتى الآن بسبب حالة الطوارئ، فإن التنظيم الوحيد الذي يستطيع الآن الحصول على هذه الأغلبية بعد سقوط الحزب الوطني هو جماعة الإخوان المسلمين....ولما كانت جماعة الإخوان تتفق مع ايران في رغبتها في السيطرة على دول الخليج الغنية بالبترول، فقد قرر الطرفان التعاون سويا لتحقيق هذا الهدف، واقتسام الغنيمة بعد ذلك...
وكما تحالفت إيران الشيعية مع جماعات الإرهاب السنية في حربها ضد الدول العربية والغربية سويا، فهي الآن تتحالف مع الإخوان لتحقيق أهدافها، وكما يقول المثل المصري "اتلم المتعوس على خايب الرجا"، حيث تنتهي رئاسة أحمدي نجاد في يونيو القادم، بينما تبقى رئاسة مرسي فوق صفيح ساخن حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا...فالرجل الذي تقترب ولايته الرئاسية من نهايتها، يواجه معارضة شديدة في الداخل.... هناك رغبة لدى الأوساط النافذة في إيران في وضعه على الرفّ اليوم قبل غد... زيارة أحمدي نجاد لمصر كشفت أمرين؛ أولهما أن لا مضمون سياسيا للمصالحة المصرية – الإيرانية، اللهم إلاّ إذا كانت مصر- الإخوان تريد السير في ركاب إيران... أمّا الأمر الثاني والأخير الذي كشفته الزيارة فهو أنّ مصر لا تمتلك استراتيجية واضحة على الصعيد الإقليمي.... لو كانت تمتلك مثل هذه الاستراتيجية، لكان السؤال الأوّل الذي طرحته على نفسها هل سيؤثر اللقاء بين مرسي وأحمدي نجاد على التوجه الإيراني فى المنطقة !!..الى جانب ان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد و محمد مرسي؟ يبدو، للأسف، ألّا وجود لأيّ قاسم مشترك بين الرجلين باستثناء سعي كلّ منهما لإثبات أنّه لايزال موجودا وأنه يمتلك هامشا ما للمناورة السياسية!!...
هذا اللقاء، على الرغم من رمزيته، لا يقدّم ولا يؤخر بدليل أن مرسي يمتلك موقفا واضحا حيال ما يدور في سوريا وذهب بعيدا في مهاجمة الرئيس بشّار الأسد واصفا إيّاه بـ"الطاغية" في حين تقف إيران بكلّ ما تمتلك من إمكانات مع نظام الأسد!!كيف يمكن لمصر ما بعد "ثورة الخامس والعشرين من يناير" الترحيب بشخص يمثل نظاما يدعم "الطاغية" كما قال مرسى نفسه عن بشار الاسد ؟!!...
ما يحتاجه رئيس مصر في هذه الأيام وفي المرحلة المقبلة هو التصالح مع شعبه قبل التصالح مع إيران بكلّ ما تمثّله....تعالوا بنا لكى نحفر عميقا في الاحتفاء المبالغ به بالزائر الإيراني الذى تجاوز الجوانب الرسمية والبروتوكولية، إلى جوهر عقيدة التمكين الإخوانية التي تجد نموذجها وتطبيقاتها العملية في الثورة الإيرانية... بل يبدو للمراقب أن الإخوان درسوا جيدا تجربة التمكين الخمينية وباتت الدليل اليومي في التسلل الناعم والسريع إلى كل أجهزة الدولة والمجتمع، فالتيار المتسيد في مركز الإرشاد في المقطم لا يرى في تجربة العدالة والتنمية التركي نموذجا ملهما، وكلنا يذكر حجم الغضب الإخواني الرسمي على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عندما طالب المصريين عشية الثورة بصياغة دستور يقوم على مباديء العلمانية وأوضح أن ذلك يعني أن تبقى الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان...
حتى لاننسى قبل سقوط الشاه بشهرين في ديسمبر 1978 ومبارك في يناير 2011 قاد شباب الطبقة الوسطى والجامعيون العاطلون عن العمل التظاهرات الاحتجاجية الكبرى، فيما كانت الأحزاب التقليدية بما فيها القوى الدينية تدير حوارات مع الحكومات لتهدئة الشارع وتطبيق بعض الخطوات الإصلاحية....... وانتصرت الثورتان والقوى السياسية في أضعف حالاتها وتعيش حالة من التشرذم وقلة الخبرة السياسية، الأمر الذي مكن القوى الدينية المنظمة من القفز على سطح الحياة السياسية وتسلم زمام البلاد....لكن مع توسع الدولتين المصرية والإيرانية في برنامج الخصخصة والرسملة والانفتاح الاقتصادي، منذ مطلع السبعينات، تعمقت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وأدت إلى إفقار شديد للطبقات العاملة والفلاحين وتلاشي الطبقة الوسطى لصالح طبقات الكمبرادور والسماسرة المتحالفة مع الطبقة الحاكمة التي تغولت في التضييق على الحريات العامة مستخدمة أجهزة المخابرات، وتصاعدت معها النضالات المطالبة بالحقوق الأساسية... في كلا البلدين ايضا تحملت القوى اليسارية والليبرالية الدور الرئيس في كل التظاهرات والاحتجاجات التي سبقت الثورة...
في إيران وجدت القوى الليبرالية واليسارية ضالتها في شخصية كارزمية كبرى هي آية الله الخميني، أشعلت خطبه وأحاديثه المهربة سرا من المنفى روح الثورة في نفوس الملايين، وتشكلت من خارج المؤسسة الدينية شبكة كبيرة من النشطاء الثوريين في مناطق الصفيح المحيطة بالعاصمة طهران، وقبل انتصار الثورة بأشهر قليلة زار كريم سنجابي زعيم الجبهة الوطنية الليبرالية الخميني في باريس وتبعه زعيم توده الشيوعي حيث بايعا الرجل زعيما للأمة، وكان التبرير الذي قدم في حينه أن الأولوية هي لسقوط الشاه ونظامه الأمني واستند الجدل في حينه إلى أن خطاب الخميني يحمل سمات ثورية وأن الرجل أعلن بوضوح أن هدف الثورة هو إقامة جمهورية إسلامية ديمقراطية، وزاد الشيوعيون أن الخميني مناضل مبدئي وصلب في العداء للامبريالية الأميركية – الشيطان الأكبر، وأن لديه رؤية جذرية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها آية الله عبارة الديمقراطية في أدبيات الإسلام التقليدي حيث اعتبرت على الدوام مفهوما غربيا يخالف الشريعة الإسلامية....وكما في مصر 2012 مع حكومة هشام قنديل، شكل الخميني حكومة برئاسة المهندس ذي التعليم الفرنسي مهدي بازرجان حكومة ائتلافية في 12 فبراير 1978، ضمت طيفا واسعا من التعبيرات السياسية وفي المركز وزراء الجبهة الوطنية الليبرالية ذات الصلة الوثيقة بالطبقة الوسطى والبازار بالإضافة إلى رجال الدين، وكان الهدف طمأنة البيروقراطية الحكومية من أجل استمرار عجلة جهاز الدولة...
غير أن هذه السياسة الناعمة والمنفتحة والمطمئنة لم تدم طويلا، إذ عمل الخميني على رعاية ودعم سلطتين متوازيتين، سلطة رسمية تعمل كواجهة مقبولة أمام العالم وهي الحكومة برأس ليبرالي، وسلطة فعلية تدير شؤون الدولة، مكونة من اللجان والمحاكم الثورية ومجلس خبراء من رجال الدين الأقوياء أسندت إليه مهمة كتابة الدستور و فوق هؤلاء جميعا عين الخميني لجنة مركزية تشرف على عمل اللجان الثورية والمحاكم التي أنيط بعهدتها محاكمة رجال العهد الملكي السابق وأعداء الإسلام والثورة، وتكونت لجان خارج الوزارات مهمتها وضع الخطط التنموية وتشمل بناء المساكن والجسور والمدارس والعيادات الطبية، لكسب الشعبية للنظام الإسلامي وللزعيم...وبعد أقل من ثلاثة أشهر على حكومة بازرجان أنشأ الخميني مجلسا لقيادة الثورة مهمته الإشراف على الحكومة والجيش.... وهكذا نشأ صراع بين سلطتين وظهرت الحكومة عاجزة عن إدارة الدولة وزادت البطالة وارتفعت نسبة التضخم وتزايدت الهجرة الواسعة من الريف إلى العاصمة!!..
لاحظوا اوجه الشبة الكبير بين هناك وهنا ؟!!..وأعلن الخميني صراحة أن الديمقراطية لفظ مستعار من الغرب الكافر مرتدا عن إعلاناته قبل الثورة.... كما أطبق الخميني على وسائل الإعلام المختلفة وعين رجال دين من اتباعه وذلك بهدف تخليص الإعلام من البرامج الغربية ونشر القيم والثقافة الإسلامية...وفي موضوع تسمية الجمهورية حسم الخلاف مع بازرجان بأن دفع إلى الاستفتاء العام مصطلح الجمهورية الإسلامية وليس الديمقراطية الإسلامية !!.. وفي مجال القضاء استبدل النظام كاملا بنظام القضاء الشرعي القائم على حكم الشريعة وأغرق المحاكم المدنية برجال الدين، أما الدستور فقد نقض الخميني الاتفاق الذي أبرمه بازرجان مع آية الله شريعة مداري على تشكيل جمعية تأسيسية تضم ثلاثة وسبعين عضوا تمثل كافة أطياف المجتمع وفرض لجنة أخرى من خمسة عشر عضوا وأطلق عليها مجلس الخبراء، وقد منح الدستور سلطة مطلقة لولاية الفقيه منها : إعلان الحرب والسلم وإلغاء انتخابات الرئاسة وإقالة رئيس الجمهورية. بذلك أطبق الخميني السيطرة على كامل مفاصل الدولة...ولم يكن أمام بازرجان سوى الاستقالة في أكتوبر 1979 أي بعد ثمانية أشهر فقط من الثورة....
غير أن مسلسل التمكين لم يستكمل بعد،حيث قدم الخميني شخصية ليبرالية مثقفة من التيار الديني كرئيس للجمهورية، لكنه اختلف مع سلطة رجال الدين المتشددين في طريقة إدارة الدولة وموضوع الحريات الذي بدا يضيق كثيرا بإقرار قانون المطبوعات والنشر.... الذي يجعل من التعرض للخميني بالنقد أو التجريح أو أي من قادة الثورة، عقوبة يعاقب عليها القانون بإغلاق الصحيفة وحبس الكاتب، كما تجلى أيضا باعتقالات واسعة للمعارضين وفرض الرؤية الدينية في كافة مناحي الحياة بما فيها الثقافة والفنون والأزياء، واضطر بني صدر إلى الاختفاء وطالب الشعب بأن يقاوم الديكتاتورية التي تقام تحت عباءة الإسلام !!...وهرب بني صدر بعد أقل من سنة ونصف على توليه الرئاسة برفقة مسعود رجوي زعيم مجاهدي خلق أبرز قوى الثورة الإيرانية وطلبا اللجوء السياسي في فرنسا...وتبعه حزب توده اليساري آخر حزب سياسي غير ديني خارجا عن القانون بتهمة العمالة للدولة الشيوعية السوفيتية....
وهكذا اختطفت الثورة من صناعها الذين هاموا على وجوههم في أصقاع الأرض أو في السجون والقبور...وكأن إخوان مصر يقرؤون من نفس الكتاب الإيراني، في فلسفة التمكين لإقامة الدولة الدينية، وكأن بعض أصحاب شعار :"إعطوهم فرصة" لم يقرؤوا الكتاب بعد!!...حيث يبدو للمراقب أن الإخوان درسوا جيدا تجربة التمكين الخمينية وباتت الدليل اليومي في التسلل الناعم والسريع لكل أجهزة الدولة والمجتمع !!.. لذلك تم لقاء بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ومرشد الإخوان المسلمين محمد بديع، تم الاتفاق فيه على إقامة تحالف استراتيجي بين البلدين...هذا اللقاء الذي حضره من الجانب الإخواني نائب المرشد خيرت الشاطر، والقيادي بمكتب الإرشاد عصام العريان تم في مقر القائم بالأعمال الإيراني، وقدم خلاله نجاد تبريكاته بفوز الإخوان بالرئاسة، وعرض نجاد على بديع زيارة إيران ولقاء المرشد الأعلى علي خامنئي...
الجدير بالذكر أن بديع كان مهتما بشكل خاص بتجربة "مجلس تشخيص مصلحة النظام" في إيران، وهو المجلس الذي يضع السياسات الاستراتيجية، ويختص بتوجيه الرئيس ورفض سياسات الانفتاح على العالم الخارجي، ويدافع عن شعار "تصدير الثورة" الذي جلب لإيران الكثير من الأعداء.مجمع تشخيص مصلحة النظام أو مجلس تشخيص مصلحة النظام هو أحد أجهزة الحكم في إيران وهو الهيئة الاستشارية العليا له حيث تنص المادة 112 من الدستور الإيراني بأن: " تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام يتم بأمر من القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية لتشخيص المصلحة في الحالات التي يرى مجلس صيانة الدستور الإيراني أن قرار مجلس الشورى الإسلامي يخالف موازين الشريعة والدستور في حين لا يوافق مجلس الشورى الإسلامي الإيراني آخذاً بنظر الاعتبار مصلحة النظام....هذا المجلس أقيم للمرة الأولى في عام 1984 في خضم الحرب العراقية ــ الإيرانية من أصحاب الاختصاص لتقديم المشورة للمرشد.... ثم أنشئ على الشكل الحالي استجابة لتوجيهات مرشد الثورة روح الله الموسوي الخميني في 6 فبراير 1988, قبل أن يقونن في التعديل الدستوري الذي جرى الاستفتاء عليه في عام 1990....
وتناط بمجلس تشخيص مصلحة النظام ثلاث مهمات:أن يكون حكما بين مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) ومجلس صيانة الدستور في حال نشوب أزمة بينهما، وتصبح قراراته بشأن خصومة الهيئتين نافذة بعد مصادقة المرشد الأعلى عليها... أن يقدم إلى المرشد الأعلى للثورة (الولي الفقيه) النصح عندما تستعصي على الحل مشكلة ما تتعلق بسياسات الدولة العامة.... زأن يختار في حالة موت المرشد، أو عجزه عن القيام بمهامه بقرار من مجلس الخبراء، عضوا من مجلس القيادة يتولى مهام المرشد حتى انتخاب مرشد جديد...وتتبع مجلس تشخيص مصلحة النظام لجان خاصة تعمل في مجال السياسة والأمن والثقافة والاقتصاد وغير ذلك....ويتكون مجلس تشخيص مصلحة النظام من 31 عضوا يمثلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية. ويعين المرشد الأعلى للثورة أعضاء المجمع الدائمين والمتغيرين ما عدا رؤساء السلطات الثلاث فإنهم ينضمون إلى المجمع بشكل آلي بعد التعديل الجديد الخاص بقانون المجلس...
ومدة المجلس 5 سنوات، ويلتحق بعض الأعضاء بشكل غير دائم إذا كانت المسائل المطروحة تتعلق بصلاحياتهم كبعض الوزراء، ومنذ 18 مارس 1997 يترأس المجمع الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وهو من الشخصيات البارزة في الثورة الإسلامية في إيران ورئيس سابق للجمهورية الإسلامية التي إنبثقت عن تلك الثورة و رئيس سابق لمجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان)... الجدير بالذكر أن بديع أسر للحاضرين أنه يريد أن يقف على مزايا التجربة الإيرانية بكل تفاصيلها لأنه ينوي تقديم مبادرة إلى مجلس شورى الجماعة بتكوين مجلس لتشخيص المصلحة العامة، يعود إليه الرئيس مرسي في مختلف القرارات التي ينوي اتخاذها خاصة المتعلقة بالعلاقات الخارجية...لذلك عرض نجاد على بديع زيارة طهران، وتعهد بترتيب لقاء بينه وبين المرشد الأعلى علي خامنئي بالإضافة إلى الشخصيات المكونة لمجلس تشخيص مصلحة النظام للوقوف على التجربة...
ويقول مقربون من الإخوان إن المرشد العام معجب بالتجربة الإيرانية وقدرتها على الصمود ضد الضغوط الخارجية طيلة أكثر من ثلاثين عاما، وخاصة أنه معجب بالتزامها تطبيق نظرية الإمامة (الارشادية / المرشد )...من وجهة نظرى المتواضعة ارى ان المرشد الإخواني يريد أن يتحول إلى مرشد على الطريقة الإيرانية، وتكون قراراته ملزمة للجميع دون نقاش أو تصويت ليس فقط في مصر وإنما في مختلف الدول العربية والإسلامية التي بها فروع للتنظيم الدولي للإخوان!!.. الى جانب أن بديع يريد من مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يتوقع أن يترأسه هو شخصيا، أن يصبح مرجعية لدى الجماعة والسنة مثلما خامنئي مرجع لعموم الشيعة!!...لان التنظيم الدولي للإخوان لا يخفي قلقه من الدور الذي يلعبه الأزهر الشريف لدى عموم السنة في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة بعد اللهجة الحادة التي تحدث بها شيخ الأزهر أحمد الطيب للرئيس الإيراني خلال لقاء تم بينهما، ما قد يرسخ دوره في المنطقة!!...
بعد ان رفض شيخ الازهر المد الشيعي في بلاد أهل السنة والجماعة وطالب بـ"ضرورة العمل على إعطاء أهل السنة والجماعة في إيران، وبخاصة في إقليم الأهواز، حقوقهم الكاملة كمواطنين"، و"عدم التدخل في شؤون دول الخليج"، وبـ"احترام البحرين كدولة عربية شقيقة".... إن إعجاب الاخوان ومرشدهم العام بالتجربة الإيرانية وخاصة بمجلس تشخيص مصلحة النظام يعود إلى إعجاب بالقدرة على البقاء في السلطة رغم الأزمات الكثيرة، أي أن الإخوان يضعون قضية التمكين "الحكم" هدفا لأي تجربة بغض النظر عن مضمونها ومدى استجابتها لخلفيتهم المذهبية والتنظيمية....مما لاشك فيه أن العلاقة بين الإخوان وإيران تثيرموجة من النقد الشديد لهم خاصة من الجماعات السلفية التي تتحالف معهم، والتي ترى في إيران عدوا مذهبيا لا يمكن الاطمئنان له، حيث طالبت مرسي بأن يواجه نجاد بملف سوريا، و"اضطهاد" السنة في إيران، ومنعه من زيارة المساجد التي "يدعي الشيعة ملكيتها"!!...
المصريون العاملون فى دول الخليج ازعجهم التحالف مع إيران الذى يعني الاستهانة بمصير ملايين المصريين الذين تغربوا لأجل لقمة العيش والأسر التي يعيلونها في مصر!!...فى ظل المعطيات سالفة الذكر نجاد حاول استمالة الإخوان إلى صفه مستغلا الظرف العام الذي تعيشه مصر، وخاصة الأزمة الاقتصادية التي لم يجد محمد مرسي لها حلولا في ظل تأخر الدعم الخليجي، وتوقف المساعدات الأميركية، وكلاهما ناجم عن الحذر لمعرفة توجه الإخوان وسياساتهم العامة داخليا وخارجيا...مما لاشك فيه ان الحفاوة الإخوانية بزيارة نجاد رغم تواضع نتائجها الاقتصادية هى نوع من ابتزاز الأطراف الخارجية التي رفضت إقراض الإخوان وإنقاذهم من الأزمة التي ساهمت في تدني شعبيتهم خاصة في ظل المظاهرات اليومية بالشارع!!...حيث لوح مرسي للإخوان بوعود كبيرة تخص الاستعداد لمنح مصر قرضا ايرانيا رغم الحصار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، وهو عرض غامض من حيث الرقم والمدة الزمنية التي قد يسلم فيها... يعنى من الاخر : "اتلم المتعوس على خايب الر
جا"