اشرف فتح الباب مدير المنتديات
المساهمات : 171 تاريخ التسجيل : 11/02/2013
| موضوع: تعدد الطرائق الأربعاء فبراير 13, 2013 10:18 pm | |
| لما كانت الطريقة هي التطبيق العملي لأركان الدين الثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان ، ولما كان لكل مسلم أسلوبه الخاص في تطبيق تلك الأحكام من الناحية الروحية ، فهذا يعني ان لكل مسلم طريقة خاصة به تربطه بالله تعالى ، وتوصله اليه سبحانه ، ولهذا قيل : ( الطرائق بعدد أنفاس الخلائق ) ( ) ومعناه ان سلوك كل فرد إنما يكون بحسب استعداده وقابليته كما يشعر به ، أي ان كل مخلوق له أسلوبه الخاص في الارتباط مع الله تعالى ، وهذا الارتباط يصفه الشيخ عبد الخالق الشبراوى بعلاقة الإيمان حيث يقول : ما هي الطرق إلى الله ؟ انها قطعا ليست طرقا مادية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .. انها طرقٌ روحية ، وهي حالات الإيمان التي تربط العبد بربه ، فلا يربط العبد بالله تعالى شيء الا الإيمان والعمل الصالح ، فمن كان مؤمنا حقا عاملا للصالحات ، كان له طريقٌ يقربه إلى الله تعالى ، ومن كان ضالا عاملا للمنكرات كان له طريق آخر يبعده عن الله تعالى . ولما كان الإيمان والعمل نسبيين في العباد ، ويختلفان من شخص لآخر ، كان لكل عبد طريقة خاصة به تربطه مع الله تعالى . يتبين من كلام الشيخ عبد الخالق الشبراوى ان الطريقة هي الإيمان والعمل الصالح ، ومن خلال نسبية الإيمان والعمل الصالح يتحدد قرب العبد من ربه او بعده عنه . فهل يتنافى هذا الفهم أو هذا الاعتقاد لمصطلح ( الطريقة ) مع شيء مما جاءت به الشريعة الإسلامية ؟ ام ان التعمق في الأمر يكشف ان الطريقة جوهر الشريعة والشريعة منبع الطريقة ؟ عن عوف بن مالك قال : كنا عند رسول الله تسعة فقال : ألا تبايعون رسول الله ، وكنا حديث عهد ببيعة ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ألا تبايعون رسول الله ؟ فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ألا تبايعون رسول الله ؟ . قال : فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك ؟ قال : على ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وتطيعوا وان لا تسألوا من الناس فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط احدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه ( ). مرت سنوات وافتقر العديد من هؤلاء ولكنهم لم ينسوا عهدهم الذي بايعوا عليه ، فقد كانوا لا يسألون الناس شيئا ابدا حتى ان احدهم لو سقط سوطه على الأرض وهو على ظهر ناقته أو جواده فلا يسأل أحدا ان يناوله اياه ، بل ينـزل من دابته ليلتقط السوط بنفسه ، وبالطبع يمكننا ان نتصور ان واحدا من هؤلاء النفر الذين بايعوا رسول الله تلك البيعة لم يطلب ولو قدح ماء من أي شخص ( ). أين الطريقة هنا ؟ وما علاقة الحديث بمفهوم الطريقة الشامل ؟ قلنا : الطريقة هي التطبيق الكامل لأركان الدين ، وقد اشترط رسول الله على هؤلاء النفر ان يعاهدوه على جانبين أساسيين : الأول : الجانب العبادي والاعتقاد ، متمثل بشرط العبادة والتوحيد والصلاة . والثاني : الجانب العملي المتجسد الطاعة في كل شيء وخصوصا عدم سؤال الناس أي شيء ، أي لا يطلب احدهم من احد أي شيء مهما كان بسيطا . هذا هو عهدهم مع الله تعالى على يد رسوله ، وهذا هو طريقهم الذي رسمه لهم حضرة الرسول وعلى أساس تطبيقه تتحقق مراتبهم ومنازلهم وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ( ). الطريقة مع هؤلاء عبادة واعتقاد وعمل في اطار الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر منهم . ولو تعمقنا قليلا في فهم الشرط الأخير من شروط هذه المعاهدة لرأينا فيه وسيلة عجيبة لرفع مرتبه هؤلاء النفر في أركان الدين الثلاثة (الإسلام الإيمان الإحسان) ..كيف ؟ في الحالة الاعتيادية كم يحتاج الإنسان ان يسأل الناس مساعدتهم في صغير الأمور وكبيرها ؟ تكاد تكون كثيرة وكثيرة جدا .. هنا وكلما احتاج احد أولئك النفر ان يسأل أحدا شيئا او يطلب منه شيء حضر إلى عقله وقلبه عهده مع رسول الله ، فيمنعه ذلك الحضور من ذلك السؤال ، ويعمله بنفسه ، وهذا الحضور لرسول الله ، هو حضور مع الله تعالى ، وهذه الطاعة لرسول الله ، هي طاعة لله تعالى : مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ( ) ، وهذه التربية على عدم الاعتماد على الناس في صغير الأمور وكبيرها تربي العبد على التوكل على الله تعالى وعلى اللجوء إليه قلبيا في كل لمحة ونفس ، فبهذا العهد الخاص وهذه البيعة الخاصة وهذه الطريقة ، رسم رسول الله لهؤلاء النفر من الصحابة منهجا ومسلكا يحققهم باركان الدين الثلاثة : الإسلام الإيمان الإحسان . الإسلام : حين يعبدون الله لا يشركون به شيئا ويؤدون فرائضه في أوقاتها . الإيمان : تمسكهم بما عاهدوا عليه الله ورسوله . الإحسان : الحضور الدائم مع الله تعالى من خلال تذكرهم لله في كل حاجة يحتاجون سؤال الناس فيها . وهذا هو معنى الطريقة بالنسبة لهؤلاء النفر، ولنأخذ مثالاً آخر : روي الإمام البخاري في صحيحة والترمذي أن حكيم حزام قال : سألت رسول الله فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم قال : يا حكيم : ان هذا المال خضر حلو ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى . قال حكيم فقلت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا ( ). فكان ابو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل فقال : يا معشر المسلمين اني اعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفئ فيأبى ان يأخذه ، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي حتى توفي رحمه الله( ). للتربية الروحية طرقا متعددة ، وتتبين لنا مصداقية ذلك هنا ، فحالة حكيم تختلف جملة وتفصيلا عن حالة النفر من الصحابة في الحديث السابق ، فقد كان حكيما على ما يبدو محبا للمال ، متعطشا له ، نفسه متعلقة به ، ولا شك ان رسول الله عرف بنوره الرباني هذا الأمر ، فحدثه على ما في نفسه ، وكاشفه بموطن علته ، فنـزل رَوح كلامه كالدواء الشافي على العلة الخفية في نفس حكيم ، فلم يستطع الا الاستجابة للطب النبوي ، فكانت ردة فعله شفاءه من ذلك الطمع المغروس في النفوس ، حتى انه عفت نفسه عن حقه المقسوم له ، اذ لم يعد يريد من الدنيا شيئا الا من كسبه وجهده . والذي نراه ان في موعظة رسول الله سرا ربانيا وقوة روحية ، فإذا أراد ان يعالج بها من يراه أهلا لها ، فان أثر بركتها ونورانيتها تبقى حاضرة في القلب والنفس ، تعطي ذلك الصحابي من الهمة والقوة والعزيمة على الاستمرار على الطاعة مما لا تفعله الآف المواعظ المجردة عن تلك القوة الروحية والبركة المحمدية. فالطريقة التي أخذها الصحابي الجليل حكيم بن حزام من رسول الله كانت سببا في عفته وورعه واستقامته ، وكانت سببا ايضا في حضور أمر رسول الله في داخله إلى مماته . ان ما حصل مع حكيم ليس مجرد موعظة أثرت في نفسه وحملته على فعل ما فعل ، فكم يسمع من يريد الموعظة وعظ الواعظين فلا يتعظ ، ولا يطبق .. ولأن كان رسول الله < وصف لحكيم ما وصف لمعرفته ان في ذلك شفاء لنفسه وسلامة لقلبه ، فانه قد وصف أمرا آخر لرجل جاء يسأله قائلا : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ ، فاخبرني بشيء أتشبث به . فقال له رسول الله < : لا يزال لسانك رطبا بذكر الله ( ) فلماذا لم يأمره بكثرة صلاة او أي أمر آخر ؟ لأن الذكر الكثير هو ما يناسب حال هذا العبد ، ويكفي ان نشير هنا إلى حديث رسول الله < الذي يقول فيه : كل ميسر لما خلق له لندرك ان المرشد الروحي يساعد الإنسان على ما خلق له ، فيرشده إلى الطريق الأقصر الذي يقربه من ربه عز وجل . ان هذه الأحاديث النبوية الشريفة فيها دلالة واضحة على تعددية الطرق إلى الله تعالى وتأكيد لمقوله ( الطرائق بعدد أنفاس الخلائق ) . |
|