موضوع: في زيارة مقامات الأولياء والصالحين ومشاهدهم الأربعاء فبراير 13, 2013 12:31 pm
في زيارة مقامات الأولياء والصالحين ومشاهدهم نقول : إن التصور السائد عند بعض الفرق الضالة : إن المسلمين يتخذون من مقامات الانبياء ومشاهد أولياء الله تعالى أوثاناً يعبدونها من دون الله تعالى ويرون : أن هذا من الضلال المبين . ولعمى بصائر هذه الفرقة عن حقيقة الأمر فقد حرّموا زيارة المقامات والمشاهد وسموا زائريها بـ( القبوريين ) ، ومنعوا التوسل بجاههم عند الله تعالى ، وسموهم بـ( المشركين ) ومنعوا البناء فوق المقامات والمشاهد ، وسموها (أوثان) ، إلى غير ذلك من شعاراتهم وأباطيلهم التي يحاولون في كل عصر ومصر أن ينسجوها كخيوط العنكبوت على رموز الإسلام العظيم : وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبوتِ ( ) . إن الهدف الحقيقي من أقوالهم الضالة و أفعالهم المضلة طمس هذه الآثار الخالدة ، واختفاء المعالم العظيمة التي يُذكر عندها مآثر أصحابها وجهادهم وطرق وصولهم إلى المراتب العليا في الدنيا والآخرة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن ينفصل المسلم عن كل وسيلة ، تربطه بالله تعالى ، وليس غرضهم من تلك الأقوال دعوة التوحيد والإخلاص كما يزعمون ، فلو كان عندهم ذرة من توحيد لما تجرؤا على السلف الصالح بالطعن الرخيص ، وأصدروا فتاواهم بتكفير عامة أمة الرسول الأعظم والحبيب المفخم حين قال أحدهم : « وقد ثبت لنا أنه كل ما فوق الثرى وتحت السبع الطباق مشرك على الإطلاق » . ونريد في هذا البحث أن نورد ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف على لسان نبيه الحبيب الشفيع والوسيلة العظمى سيدنا محمد المصطفى ، لقمع ما أتى به أولئك البغاة ولسد الطرق في وجوههم وقد عثوا في الأرض الفساد . الحياة البرزخية حياة الأنبياء البرزخية عن أنس قال : قال رسول الله : الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ( ) . وعن أنس بن مالك أنَّ رسول الله قال : مررت على موسى ليلة اسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ( ) . عن أوس بن أوس أنَّ رسول الله قال : إن الله عز وجـل قد حـرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ( ) . وبهذه الأقوال المباركة ثبتت حياة الرسول الأعظم وإخوانه من الأنبياء والمرسلين ( صلوات الله وسلامه عليهم ) ، فإنهم أحياء ، وحياتهم برزخية ، بمعنى أنهم يرون ويسمعون من حيث لا يراهم ولا يسمعهم إلا النخبة المفضلة من أولياء الله تعالى ، وأنهم يردون السلام وأنه يرد السلام علينا عند كل صلاة عندما نقول في التشهد : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فيقول فضيلة الشيخ عبد الخالق الشبراوي شيخ الطريقة الشبراوية: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ونسأله أن يتشفع فينا عند ربنا ، فيقف شفيعاً لنا ولكل محب من أمته وقد قال تعالى في حقه : بِالْمُؤْمِنينَ رَؤوفٌ رَحيمٌ ( ) وهذه الرأفة والرحمة باقية دائمة ما دام حياً وما دامت السماوات والأرض إلى يوم البعث والنشور ، والذين ينكرون حياته البرزخية لا يرد عليهم السلام ، لأنه لا حياة له عندهم ، فيحرمون من هذه الرأفة والرحمة . حياة الأولياء البرزخية قال تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذينَ اجْتَرَحوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمونَ ( ) . تنص الآية الكريمة على أن حياة الصالحين ومماتهم سواء لتحققهم بالإيمان والاطمئنان الكاملين ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والآخرة ، فكما كانوا في الدنيا مشرفين على الآخرة بقلوبهم وأرواحهم يرونها رأي العين فهم في البرزخ مشرفون على الدنيا لإفادة أهلها بالدعاء لهم وغيره . فحياتهم ومماتهم سواء بسواء كرامة من الله تعالى لهم لاستقامتهم على الاعتقاد والعمل الصالح وقيامهم بنهج طريق الخُلق المحمدي الأقوم ، يقول تعالى : إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلّا تَخافوا وَلا تَحْزَنوا وَأَبْشِروا بِالْجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ توعَدونَ . نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وَفي الْآخِرَةِ ( ) . ففي الدنيا قبل الآخرة تتـنـزل عليهم الملائكة جهارا بالبشارات ، وأن لأرواحهم الصافية الطاهرة بركات وفيوضات يستفيد منها من يزورهم في الحياة الدنيا وبعد الممات بلا فرق كما نصت الآية الكريمة ، وهذا بخلاف غيرهم من الذين اجترحوا السيئات : وَمَنْ كانَ في هَذِهِ أَعْمى فَهُوَ في الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبيلاً ( ) . كما وأن الآية الكريمة تحكم بأن الذين يساوون بين موتى الاولياء و بين موتى غيرهم من الناس ساءَ ما يَحْكُمونَ أي : أنهم من الذين يجترحون السيئات . حياة الشهداء البرزخية قال تعالى : وَلا تَقولوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرونَ ( ) . أي : لا تحسون ولا تدركون حياتهم بالمشاعر الاعتيادية ، لأنها من أحوال البرزخ التي لا يطلع عليها إلاّ عن طريق الوحي أو الإلهام ، وعلى هذا رأي جمهور العلماء حيث قالوا : إن الحياة البرزخية حياة حقيقية ، وإنها للروح والجسد ، ولكن الجسد جسدٌ برزخيٌّ لا دنيويُّ ونحن لا ندركها بالعين المجردة في هذه النشأة وإنما تدرك بعين البصيرة لمن شاء الله من خواص عباده ، وممن صرح بهذا الرأي : ابن عباس وقتادة والحسن وعمر بن عبيد وجماعة من المفسرين . الحياة البرزخية لبقية الرواح من حديث بن عباس عن النبي : ما من رجل يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه إلا عرفه وردّ عليه السلام ( ) . وقال : ما من ميت يموت إلا وهو يعلم ما يكون في أهله بعده وأنهم يغسلونه وأنه لينظر إليهم ( ) . روي عن عبد الله أبن عمر يقول قال رسول الله لأصحاب الحجـر : لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم ( ) . فالكافرون لهم أيضاً حياة برزخية يسومونهم فيها سؤ العذاب . في انتفاع الميت بالحي : قال : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء ، صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له ( ) . قال : اقرؤوا يس على موتاكم ( ) . وفي هذه النصوص وغيرها ما يؤكد انتفاع الميت بأعمال الحي ، فلو لم تكن المنفعة متحققة فلماذا أمرنا رسول الله بتلقين الميت قبل دفنه وقراءة شيء من القرآن عليه ؟ ولما أخبرنا انه ينتفع بالصدقة والولد الصالح ومشاريع الخير التي يعملها في الدنيا وإجماع الأمة على هذا قائم فلا داعي للإطالة فيه . والمستفاد من هذا أن هناك علاقة بين عالمنا وعالم الأرواح دلت عليها النصوص المذكورة .
في انتفاع الحي بالميت ورد في قصة سيدنا الخضر أنه بنى جداراً لطفلين يتيمين على كنـزٍ لهما وذلك إكراماً لأبيهما الذي كان صالحاً ، قال تعالى : وَكانَ أَبوهُما صالِحاً ( ) . ولم يقل عنهما كانا صالحَين ، فهذا نص قرآني يصرح بانتفاع الحي بالميت . وأما في الآخرة ، قال تعالى : والَّذينَ آمَنوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ( ) . ومعنى هذا سريان أنوار الأبرار إلى المؤمنين المحبين من جهة علاقة الحب لله رب العالمين قال الإمام اليافعي : « الأولياء المتصرفون بعد موتهم كتصرفهم في حياتهم »( ) . وعلى هذا فقد ثبت انتفاع الأحياء بالصالحين من الأموات خاصة وأن للأرواح تصرفات على نحو تصرفات الملائكة فإنها لا تحتاج إلى مماسة ولا آلة فإنها من عالم آخر يختلف في قوانينه عن قوانيننا ، كما قال تعالى : يَسْأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي ( ) . وماذا يفهمون من تصرفات الملائكة والجن في هذا العالم وهي أجسام غير مادية ، ولا شك أن الأرواح لها من الإطلاق والحرية ما يمُكّنها من أن تجيب من يناديها وتغيث من يستغيث بها كالأحياء سواء بسواء ، بل أشد وأعظم ، فإن كانوا لا يعرفون إلا المحسوسات ولا يعترفون إلا بالمشاهدات فهذا هو شأن الطبيعيين لا المؤمنين . وقد يكون المؤمنون الأموات أصفى بعد مفارقة الجسد لزوال الحجب الترابية وعدم منازعات الشهوات البشرية وكما قال السيد الشيخ عبد الكريم الشاه الشبراوي : « إذا خرجت من جسدي هذا سترون ماذا أعمل لكم من الخير » . الخلاصة : إن الأموات أحياء في قبورهم ، وهم أما ينفعون الأحياء وإما ينتفعون من الأحياء حسب درجة التقوى والقرب من الله تعالى . وإذا ثبت ذلك فقد جاز ، بل وندب زيارة مشاهدهم ، وإقامة المباني على مقاماتهم ولا شيء في ذلك البتة إلاّ عند من يهوى قلب الحقائق لأهواء في نفسه